من حوار مفترض على فيسبوك بين القادة المخلوعين وحاشيتهم (الجزيرة نت)
فاتنة الغرة
أصبح فيسبوك واحدا من أهم موارد الأخبار عن الثورات التي تندد وتطيح بالحكام العرب واحدا تلو الآخر وكأنهم أحجار الدومينو، وتنوعت مشاركات المثقفين بشكل خاص في هذا العالم الافتراضي ما بين التحليل السياسي -الذي نجدهم يضارعون فيه أهل السياسة- والنكتة التي يتم تداولها بسرعة البرق، والتي تعتبر متنفساً شعبيا ونخبويا أيضا. ولا يستطيع المثقف الحقيقي الانفصال عن واقع مجتمعه، فهو يشارك بالفعل قولا أو تحليلا. وقد شهدت صفحات المثقفين الكثير من هذه التحليلات التي تختلف في تناولها. وفي هذا السياق مثلا, يأتي ما كتبته الناشرة والروائية اللبنانية لينا كريدية على صفحتها عن ثروات الحكام، في تحليل لما تقوم به أميركا والدول الغريبة من تجميد أرصدتهم، فقالت "السرعة الخارقة لتجميد أرصدة رجال الأنظمة الساقطة في أوروبا وأميركا، هدفه المفاوضة اللاحقة على نسبة ممكن أن تتجاوز الثلث للإفراج عن هذه الحسابات، كما حصل سابقا عدة مرات، وأحيانا تتجاوز النسبة النصف، يعني الموضوع مش كتير حسن نوايا غربية". صندوق الشعبوشاركها الشاعر المصري فريد أبو سعدة في الكتابة عن هذه الثروات من زاوية أخرى، فتقدم باقتراح مهم يقول فيه "أقترح إنشاء صندوق يسمى "صندوق الشعب"، توضع فيه الأموال التي نهبت من الشعب وتمت استعادتها، ويكون له مجلس إدارة مستقل، دون ولاية من وزارة المالية، وتكون واجباته الأساسية دفع ديون مصر الخارجية، وتمويل المشروعات الصغيرة للشباب". في حين نجد الشاعر المصري ياسر الزيات يتناول قضية الجالية المصرية في ليبيا والأزمة التي تعيشها، متنبئا ربما بسقوط حكومة شفيق التي سقطت فيما بعد, فيقول "أزمة إنسانية متفاقمة للمصريين النازحين على الحدود التونسية، لم تتدخل حكومة شفيق، ولم يتدخل المجلس العسكري لإقالة حكومة شفيق، مواطنونا ليسوا حيوانات لنتركهم هكذا".
من صور الثورة المصرية على فيسبوك وكيف حمى الثائرون أنفسهم
أما الشاعر العراقي باسم الأنصار فقد حلل واقع الخلافات العربية، مستشرفا ما سيأتي بعد التحرير، حيث كتب "بعد إزالة الأنظمة العربية العفنة، سنرى السني والشيعي معا، المسلم والمسيحي معا، القبائل معاً، سيرى العالم أن كل المشاكل بين هذه الأطراف هي أكاذيب وأوهام خلقتها الصورة الاستشراقية لهم، بالإضافة إلى الأنظمة الدكتاتورية، وسيرى العالم أن روح المحبة والتسامح والتعاون بين شعوب المنطقة هي أكبر مما يتصورون". روح الحريةولا يكاد يختلف اثنان على أن هذه الثورات خلقت روحا عند الشعوب لم تكن تدرك وجودها فيها من قبل، روح الحرية الحقيقية وكأنهم نفضوا عن كاهلهم أغلال تاريخ من الاضطهاد، ونرى هذا في حالة الشاعر السعودي أحمد الملا وما كتبه عن الثورات "من الذي يميز بين ثورة عربية وأخرى كأن يصم الثورة التونسية بالعمالة، أو المصرية بالأجندة الخارجية، أو الليبية بالهلوسة والمخدرات، أو اليمنية بالفوضى وتفتيت الدولة، أو البحرينية بالطائفية، أو العمانية بالتخريب، هي ثورات وطنية بمطالب مشروعة للحرية والعدالة". وبدوره عبر الناشر الأردني جهاد أبو حشيش عن هذه الحالة من الكرامة والعزة التي يستشعرها المواطن العربي، حيث كتب إبّان الثورة المصرية "في ميدان التحرير يُخلق نبض ووعي مغايران، وعي كسر حاجز الخوف ولم يتلوث بأيديولوجيات القوى وخرابها، إنه وعي بكر، مختلف، يتمسك بحقه في صناعة عالمه". وكعادة الشاعر اليمني فتحي أبو النصر في إثارة الشغب الجميل في حالاته وتعليقاته، يشاغب هنا ساخرا من خطاب القذافي الذي شتم فيه شعبه بمختلف الألقاب النابية، فكتب معلقا "المجد للجرذان الثورية، لفئران الكرامة والعدالة، كما لكل مهلوس ضد القهر والفساد والاستبداد، لقد جعلنا القذافي البغيض بتلك الأوصاف نكتشف في سيكولوجيتنا أبعاداً أخرى أشد روعة". ميدان الشعرولم يغب الشعر عن ساحة فيسبوك، فقد ساهمت الثورات في غربلة المبدعين لمخزونهم الإبداعي، فخرجت بعض النصوص التي تحاكي واقع الغليان الذي تشهده الساحة العربية، وهذا ما دفع الشاعر السوري الكبير أدونيس -الذي لم ينج من شرك فيسبوك- لكتابة مقاطع من نص شعري له على صفحته، معبرا عن التحامه مع ما يحدث، حيث يقول:
"أمةٌ– غابةٌ، ذبحتْ طيرَها
لترى في دَم المذبَحة
كيف يجتَرُّ جسمُ الطبيعةِ ذاكرةَ الأجنحة". وشارك الشاعر الفلسطيني غسان زقطان في دعم الشباب المنتفض في الميادين، حيث يقول:
"وماذا يظلّ؟
القليل القليل وقمصانهم، قماش على شجر ينتشر
وقمصانهم راية لا تشدّ.. بغير الشجر
ولا تستردّ، ولكنها تنتصر". وهي رغبة عبرت عنها الشاعرة المصرية فاطمة قنديل في أمنيتها التي سجلتها شعريا قائلة:
"أريد أن أكتب شعرا عن الثورة، شعرا لا يهتفون به
أريد أن أكتب شعرا
يلف الميدان في أواخر الليل
ليمسح بقع دماء لم يلحظوها في النهار
في برد أواخر الليل
ليطمئن أنهم قد أحكموا الأربطة على أبواب خيامهم". أما الشاعر اللبناني جو غانم -الذي كانت صفحته على الدوام ميدان تحرير منتفضا- فقد كتب شعريا صارخا في الجميع:
"كلّهم طُغاة, كلّنا طُغاة.
وحدهُ الذي يسقط, يصبح طاغيةً سابقًا
يتحرَّر مِنْ نفسه -بالقوّة طبعًا-
ويتحوّل إلى ضحيّة جديدةٍ
لضحايا سابقين، لطُغاة جُدد.
أيُّها العالَم: أنت مُقزّز.
أيّها الحُبّ: كيف استطعتَ العيش في هذا الخراب؟".
من الصور الشهيرة التي تم تداولها على صفحات فيسبوك
القذافي يتصدروقد تصدّر القذافي صفحات المثقفين دون استثناء، خاصة في متابعتهم لخطاباته وتعليقهم عليها، الأمر الذي كان أرضا خصبة لتأليف النكات وتبادل الفيديوهات الضاحكة التي تتركز في معظمها على مقاطع من خطاباته تمت دبلجتها مرة مع مقطع من مسرحية الزعيم لعادل إمام، وأخرى مع "أغنية راب" عربية، وربما كان من أشهر ما يتم تداوله وتحديثه على الصفحات النكتة التي تقول "القذافي لما مات جاله مبارك وسأله: سم ولا منصة ولا فيسبوك، نظر إليهم وقال: من أنتم؟". صدمة القاضيومن النوادر الحقيقية التي رصدناها، صدمة القاص الفلسطيني زياد خداش بتشبيهه شكلا بالقذافي، حيث قال "صديق ما على فيسبوك صباحا جدا، قال لي مازحا: (زياد ملامحك تشبه القذافي جدا) فحذفته شر حذفة. لم أتناول طعاما حتى اللحظة، وأظن أنني سوف أتغيب عن العمل غدا، وربما أفكر في عملية تجميل الأسبوع القادم. وهناك احتمال لأن أصاب بنوبة بكاء أو قلب هذه الليلة". وقد أصبحت أقوال القذافي ثوابت فكاهية على صفحات فيسبوك من أمثال قوله "للمرأة حق الترشح سواء كانت ذكرا أو أنثى"، ومقولته "أيها الشعب، لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام". كلمات العقيدوصار تحوير خطابات القذافي هواية لدى محبي النكتة، حيث نجد هذا التحذير الذي يتناوله الكثيرون على صفحات فيسبوك "للناس اللي مش بتعمل لايك لكومنتاتي وصوري، ستندمون حين لا ينفع الندم، من أنتم، من أنتم، دقت ساعة الديليت، دقت ساعة البلوك، لا رجوع، إلى الأمام، إلى الأمام.. لايك.. لايك.. لايك". وهكذا مثلما كان فيسبوك مهداً لثورة عبرت الوطن العربي كما تعبر النار في الهشيم، كان أيضا صانعا للأخبار والنكات والتحليلات السياسية، وكان بمثابة ساحة حرم منها المثقفون طويلا.
No comments:
Post a Comment