على بعد دقائق فقط من المدارس المحلية في منطقة جيسوي بارك يتوجه عدد من الطلاب يوميا عقب نهاية اليوم الدراسي الى مقاهي الانترنت «السرية» التي يدفع مستخدموها ما يعادل 35 سنتا فقط. اما السبب في لجوء أصحاب مقاهي الانترنت في هذه المنطقة الى السرية، فيعود الى اتخاذ زعيم الحزب الشيوعي في المنطقة قرارا بحظر مقاهي الانترنت قبل نحو تسعة شهور تقريبا بحجة انها تؤثر سلبا على النشء. وكان جانغ غوبيانو، سكرتير الحزب في هذه المنطقة، التي تضم مدينة جيدونغ، قد صرح بعد فترة من إصدار قراره بإغلاق مقاهي الانترنت في المنطقة ان اصحابها اذا تجرأوا وأعادوا فتحها مجددا فإن السلطات قد تشن حملة اخرى لإغلاقها. واعتبر قرار الحظر الذي اصدره جانغ متشددا حتى من جانب سلطات الرقابة في بكين. إلا ان القرار يعكس تصميم الحزب الشيوعي على السيطرة على ما يشاهده او يسمعه او يطلع عليه سكان البلاد الذين يقدر تعدادهم بما لا يقل عن 1.5 مليار نسمة. منذ ان جاء ماو تسي تونغ بالحزب الشيوعي الصيني الى السلطة عام 1949 اصبح الفن والإنتاج الترفيهي بصورة عامة يعتبر من ممتلكات حكومة البلاد ويجري توزيعه الى العامة ـ او عدم توزيعه ـ وفقا لما يراه مسؤولو الحزب. إلا ان الانترنت خلال السنوات الاخيرة، حيث وصل عدد الصينيين الذين يستخدمون الشبكة إلى نحو منتظم الى 137 مليون شخصا بنهاية عام 2006، شكل تحديا لهذه السلطة في عدة أشكال. تجربة جانغ في المنطقة التي تقع فيها مدينة جيدونغ، وهي منطقة معروفة بالنشاط الزراعي ومناجم الفحم، تسلط الضوء على قوة التحدي لسياسات وإجراءات وفكرة الرقابة نفسها. وكان القادة الصينيون قد أعربوا عن رغبتهم في أن يروا الناس هناك يستخدمون شبكة الانترنت على نطاق واسع بغرض السعي لكسب المزيد من المعارف وللفائدة الاقتصادية. لكنهم اعربوا في نفس الوقت عن رغبتهم في الإبقاء على هذا الاستخدام الواسع النطاق تحت سيطرة الحزب، وقالوا ان الهدف من ذلك هو إبعاد الصينيين من المواقع غير المناسبة، مثل تلك التي تعرض مواد إباحية او التي تحتوي على مواد سياسية حساسة او تلك التي تضيع أوقات المراهقين، مثلما حدث في حالة مدينة جيدونغ. وقال تشي ويمين، مدير مكتب المعلومات في مقاطعة فانغشان التي تضم مدينة جيدونغ، ان الشيء الذي أثار مخاوف جانغ هو خطاب كتبه تلميذ في المدرسة المتوسطة اعترف فيه بأنه اصبح مدمنا لألعاب الكومبيوتر ويطلب المساعدة في هذا الأمر. وجاء في خطاب التلميذ ان صديقا له اصطحبه الى مقهى للانترنت اصبح يتردد عليه بصورة مستمرة الى ان اصبح مدمنا على الألعاب. وقال التلميذ انه الى جانب الألعاب يستخدم شبكة الانترنت في مشاهدة الأفلام والدردشة مع الأصدقاء، واضطر في وقت لاحق الى سرقة المال من والديه لدفع رسوم مقهى الانترنت، وقال ايضا انه ادرك الآن انه كان على خطأ وبات يعرف تماما مخاطر مقاهي الانترنت. وقام جانغ بجولة في نفس اليوم على مقاهي الانترنت الثمانية المعروفة انها تعمل في ديدونغ، والتي يعيش بها 20 الفا من سكان فانغشان البالغ عددهم 150 الفا. وتبين ان 6 من المقاهي بالقرب من المدارس الابتدائية والمتوسطة المطلة على حديقة جيسوي، طبقا لما ذكره تشي.
وأوضح تشي ان «السكرتير جانغ وجد ان الموقف غير جيد. ووجد المقاهي في غاية القذارة وبها العديد من الشباب اقل من 18 سنة». وفي الوقت نفسه اكتشف مسؤول عادي في الحزب الشيوعي الصيني غاو يونلين ان ابنه يقضي وقتا طويلا في مقاهي الانترنت على حساب دراسته. وأضاف تشي ان المسؤول وضع صورة ابنه في مقاهي جيدونغ وطلب من مديريها عدم السماح له بدخول المقاهي.
وذكر جانغ في حديث انه اتخذ قراره في شهر مايو بعدما تلقى عددا من الشكاوى من الاباء الذين قالوا ان اولادهم يضيعون وقتهم في مقاهي الانترنت، ويهملون دروسهم. وأضاف «لقد توصلنا الى نتيجة بأن مقاهي الانترنت تتسبب في مزيد من السوء بالنسبة للاولاد. ولذا قررنا اغلاقها».
وفي لقاءات عشوائية حول غيدونغ اعرب الاباء عن دعمهم للحظر الذي اصدره جانغ، حتى بعد مرور 9 اشهر.
إلا ان تيان بوما، الذي يدير مقهى للانترنت في شقته، ذكر انه يعرف العديد من سكان غيدونغ لديهم وجهة نظر مختلفة بخصوص هذا الموضوع. غير ان معظمهم من المراهقين الذين يترددون على محلاتهم السرية في انحاء المدينة.
وفي استفتاء وطني اجراه موقع على الانترنت، تبين ان المعارضة والدعم لهذا القرار، متوازيين حيث بلغت النسبة 48 في المائة. غير ان المراهقين ليس لديهم أي شك في المكان الذي يريدون الذهاب اليه. ففي اقل من شهر على الحظر اعادت كل المقاهي فتح ابوابها».
وقالت ان معظم زبائن هذه المقاهي من الاولاد الذين يشتركون لاستخدام الالعاب الالكترونية. ويقول ليو هايدونغ الذي يدير مقهى ريفيا كبيرا، ان المقهى مزدحم منذ فتحه في الصباح في الساعة السابعة صباحا حتى اغلاقه في منتصف الليل.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط» شارك في إعداد هذا التقرير الباحث جين لينغ