جهاد الخازن الحياة - 05/01/06//
لا أذكر ايامي في الصحافة العربية رئيساً للتحرير إلا وأذكر الرقابة معها، فقد شهدت اياماً كنا نعارض اتفاقات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل أو نؤيدها فلا نمنع، ثم ننشر صورة عارضة أزياء، وتمنع الجريدة في هذا البلد أو ذاك.
الفضائيات العربية في التسعينات رفعت سقف الحرية، وتزامن انتشارها مع صعود الانترنت، ولم يستطع الرقيب ضبط هذه أو تلك بالسهولة التي ضبط بها وسائل الاعلام التقليدية، فكان أن استفادت الصحف وقراؤها. واليوم جاء دور البلوغز، أو المدونات، كصحافة جديدة أو بديلة لتتحدى الرقابة، وتنشر ما لم نكن قبل عقد أو اثنين نفكر في امكان نشره.
الانترنت حطمت القيود، وأعطت جيلاً شاباً من العرب فرصة الاتصال بالعالم الخارجي، وابداء رأيه في قضايا محلية ودولية. وجاءت الآن المدونات لتزيد بعداً مهماً، فهي انشأت جيلاً من «المواطنين الصحافيين» الذين يتصلون بعضهم ببعض، ويعقدون ندوات حوار عفوية، ويوصلون رأيهم الى أي زاوية في العالم يوجد فيها من يهمه متابعة هذا الرأي.
وتكتسب الانترنت والمدونات اهمية اضافية في البلدان حيث توجد رقابة صارمة، لأنها توفر مساحة من الحرية، فعلى رغم ان الحكومة تستطيع حجب مواقع ولا تتردد في اعتقال المدونين ومحاكمتهم، واحياناً سجنهم، فإن تجربة السنوات الاخيرة تقول ان المدونات تجد باستمرار طرقاً تكنولوجية، او احتيالية، للالتفاف على الحكومة، والعودة الى الصدور في شكل جديد أو مقنّع، والنتيجة ان «المواطن الصحافي» يعبر عن رأيه، وقد يتصل بزملاء له في بلدان عربية اخرى، او في الخارج. وبما ان البلوغ عادة ما يكون مرتبطاً بغيره، فإن هناك نوعاً من الانتشار يشبه دوائر الماء بعد إلقاء حجر في وسطه. وتزيد الفائدة عبر المدونات باللغة الانكليزية، أو أي لغة اجنبية، لأنها توفر جسراً الى العالم الخارجي. وعادة ما يُقبل اصحاب المدونات على قضايا جدلية اهتم بها الجمهور، مثل الحكم على استاذ سعودي هو محمد الحربي في تشرين الثاني (نوفمبر) وسحب التهم الموجهة اليه في الشهر التالي.
أحاول ان اكون موضوعياً، وقد بدأت بايجابيات البلوغز، او المدونات، غير انني وجدت عبر المراقبة والمتابعة انها سلاح ذو حدين وهناك سلبيات.
اكثر ما يقلقني، شخصياً، هو قدرة صاحب المدونة على كتم هويته، مما يفتح باباً عريضاً للتساؤل هل هو من يقول؟ وهل هو من البلد الذي يدّعي مواطنيته؟ وهل نيته سليمة فعلاً، أم انه يبث دعاية سوداء ضد افراد أو دولة بعينها أو دول؟ وهل يعمل منفرداً، أم انه جزء من جهاز للتشويش على بلد ما، او تحويل الانظار عن بلد آخر وما يرتكب من جرائم؟
كل هذا ممكن طالما ان صاحب المدونة يستطيع النجاة من المساءلة القانونية بحكم جهل شخصيته. أما في الصحافة التقليدية، فيبقى سيف القانون فوق الرؤوس، وكم حدث اننا لم ننشر مادة مثيرة أو مهمة خشية مواجهة المحاكم.
وهناك سلبية اضافية هي ان الغالبية العظمى من البلوغز في الولايات المتحدة يمينية أو دينية متطرفة، وقد تابعنا محاولات من مواقع للمحافظين الجدد والمسيحيين الصهيونيين لفتح قنوات مع المدونات العربية واستخدامها لنشر فكر لا يمكن ان يخدم العرب والمسلمين.
وربما أضفنا هنا واقعين يعملان ضد المدونات، أو الصحافة الجديدة، في العالم العربي، الاول هو ان غالبية عظمى من الممارسين، هم من الشباب، وآراؤهم لا تعكس بدقة الوضع العربي العام. ثم ان العالم الخارجي لا يعرف من مدونات العرب الا تلك التي تستخدم الانكليزية. ومرة اخرى فالشبان العرب الناطقون بالانكليزية لا يمثلون «الشارع العربي» الذي نتحدث عنه ولا نراه.
وأزيد سلبية مهمة هي ان متطرفين عرباً ومنظمات ارهابية من نوع القاعدة وجماعات دينية تتحرك عكس التيار العام ادركت باكراً اهمية الانترنت واستخدمتها لترويج افكارها الهدامة، وهي الآن في سبيل استخدام المدونات، وتُشجع اعضاءها على اللجوء اليها، خصوصاً انها مجانية، والسرية فيها مضمونة.
ولعل قضية «الشرطي الديني» الذي يزعم انه سعودي مثل جيد على سوء استخدام المدونات، فهو زعم انه سعودي من الرياض درس في بريطانيا والولايات المتحدة، لذلك فهو يكتب بالانكليزية. غير ان المشككين في امره لاحظوا ان لغته قوية جداً، وكأنها اللغة الاصلية أو الاولى لصاحب المدونة، ثم لاحظوا انه لا يفعل شيئاً غير ان ينتقد الحكومة السعودية والمجتمع السعودي من دون ان يبدي أي عاطفة نحو البلاد التي يزعم انه جاء منها. وهو اختفى فجأة في آب (اغسطس) 2004، وعاد بعد سنة، ورحبت به البلوغز التي تصدر عن اليمين المتطرف الاميركي والمحافظين الجدد. واخيراً نشر موقع «ليتل غرين فوتبولز» وهو يميني يؤيد اسرائيل ان «الشرطي الديني» الذي يزعم ان اسمه السعودي هو الاحمدي العنيزي نشر تعليقات في الموقع تحت اسم سول (شاؤول) روزنبلوم، وهو اسم يهودي واضح.
وعلق «ابو سنان» وهو اميركي متزوج من سعودية عبر مدونته في 5/11/2005 على الشرطي المزعوم فقال انه لا يخدم الاصلاح في السعودية، وانما يهاجم مجتمعها ويسيء الى الاسلام، ويؤيده اشخاص مثله يحقدون على الاسلام والمسلمين.
وحكمي الشخصي هو من نوع حكم «ابو سنان» على هذا المشعوذ الذي يستحيل ان يكون سعودياً.
وحاولت اليوم ان اقدم ايجابيات المدونات وسلبياتها، وأدرك انني قدمت من الثانية اكثر مما قدمت من الاولى. ومع ذلك اقول انه لو ترك الامر لي لبقيت في صف المدونات وأصحابها لأنها ستزيد مساحة الحرية للاعلام العربي كله. وأدرك وأنا اسجل موقفي انه لا يقدم شيئاً أو يؤخر. فالبلوغز، او المدونات، موجودة وستبقى وتزيد، وأرجو ان نتجنب مضارها وان نغرف من فوائدها.
No comments:
Post a Comment